ما هي معضلة القنفذ وكيف تطبقها في حياتك مع الناس


- 23:28
ما هي معضلة القنفذ وكيف تطبقها في حياتك مع الناس


ربما سمعت أو قرأت يوما عن ما يُعرف بـ "مُعضلة القنفذ". وتساءلت عن معنى هذا المصطلح الغريب، إليك في هذا للمقال شرح ما هي  معضلة القنفذ، ولماذا سميت هذه المعضلة بمعضلة القنفذ، وكيف وتطبقها وتستفيد منها في حياتك مع الناس.

ما هي معضلة القنفذ؟

معضلة القنفذ (Hedgehog's dilemma)  وتسمى أيضا  معضلة النيص، هي حالة يواجهها حيوان القنفذ عندما يشعر  بالبرد في فصل الشتاء، يبدأ بالبحث عن إخوانه القنافذ لكي يلتصق بهم حتى يشعر بالدفء. 

لكن المشكلة أنّ الشوك الذي على جسم القنفذ يجعل عملية تقاربه مع أبناء جنسه صعبه ومؤلمة، نظراً لأنهم كلّما تقرّبوا من بعضهم فإن الشوك الذي على أجسامهم يؤذيهم، فيقرّرون الابتعاد عن بعضهم، ثم يشعرون بالبرد فيقتربون مرة أخرى وهكذا.

نظرياً، فإن القنفذ وجد حلاً لهذه القضية، واستحدث طريقة بسيطة ناجحة، وهي عملية سماها شوبنهار "المسافة الآمنة" (safe distance)، فاستطاع القنفذ أن يختار مسافة معينة من السلامة، مسافة تضمن له الدفء الكافي، وفي نفس الوقت أقل درجة ممكنة من الألم. (1)

كيف تطبق معضلة القنفذ مع الناس؟

معضلة القنفذ
كيف تطبق معضلة القنفذ مع الناس؟

في سنة 1851 تأمّل الفيلسوف الألماني شوبنهاور في موقف حيوان القنفذ هذا واعتبرها واحدة من معضلات الإنسان الاجتماعية النفسية، وسماها: "مُعضلة القنفذ" (Hedgehog's dilemma).

الفيلسوف شوبنهاور تكلّم أن الإنسان الوحيد يشعر باحتياج شديد لأن يقترب من الناس ويتفاعل معهم، وأنّ الوحدة تبقى قاسية جداً ومؤلمة بالنسبة للإنسان الطبيعي (مثل البرد بالنسبة للقنفذ)، فيقرّر أن يفعل مثل القنفذ ويبحث عن أبناء جنسه ويلتصق بهم من أجل الدفء النفسي .

المشكلة أن التصاقه وقربه هذا لن يكون مصدر سعادة وراحة له على طول الوقت، وإنما العكس، مصدر ألم وتعب (لنفسه ولأقرانه)، وهنا تتولّد مشاعر سلبية كثيرة مثل الضغط النفسي والإحراج والفراق وغيرها.

ومثلما يكون القنفذ مجبراً على إيذاء أقرانه، ذات القضية مع الإنسان (لن يتعمّد جرح أحد) وإنما هي الطبيعة البشرية ولكل منّا أشواكه! لذلك يجب البقاء في المسافة الأمنة من أجل أكبر قدر ممكن من الراحة النفسية.

معضلة القنفذ في حياتنا الاجتماعية

القنفذ القنافذ
معضلة القنفذ في حياتنا الاجتماعية


معضلة القنفذ، أو في بعض الأحيان معضلة النيص، هي استعارة عن تحديات العلاقة الحميمة بين البشر في المجتمعات الشرية. يصف حالة تشبه تماما الحالة التي تعيشها القنافذ عندما تسعى فيها مجموعة من القنافذ إلى الاقتراب من بعضها البعض لمشاركة الحرارة أثناء الطقس البارد. 

ومع ذلك، يجب أن يظلوا منفصلين، لأنهم لا يستطيعون تجنب إيذاء بعضهم البعض بأشواكهم الحادة. على الرغم من أنهم جميعًا يشاركون في نية علاقة متبادلة وثيقة، إلا أن هذا قد لا يحدث، لأسباب لا يمكنهم تجنبها.

تصور آرثر شوبنهاور هذه الاستعارة لوصف ما يعتبره حالة الفرد بالنسبة للآخرين في المجتمع. تشير معضلة القنفذ إلى أنه على الرغم من حسن النية، لا يمكن أن تحدث الحميمية البشرية دون ضرر كبير متبادل، والنتيجة هي السلوك الحذر والعلاقات الضعيفة. 

مع معضلة القنفذ، يوصى باستخدام الاعتدال في العلاقات مع الآخرين سواء بسبب المصلحة الذاتية أو مراعاة للآخرين. تُستخدم معضلة القنفذ لشرح العزلة التي يفرضها  الشخص على نفسه مضكرا للتعايش مع افراد المجتمع.

وهكذا فإن الحاجة إلى المجتمع التي تنبع من الفراغ ورتابة حياة الناس، توحدهم. لكن صفاتهم العديدة غير السارة والمُقِفرة وعيوبهم التي لا تطاق مرة أخرى تفرقهم عن بعضهم البعض. المسافة المتوسطة التي اكتشفوها أخيرًا، والتي تمكنهم من تحمل الوجود معًا، هي الأدب والأخلاق الحميدة. 

كل من لا يلتزم بهذا، يُطلب منه في إنجلترا "أن يحافظ على مسافة الأمان". بحكم ذلك، من الصحيح أن الحاجة إلى الدفء المتبادل لن يتم إشباعها إلا بشكل غير كامل، ولكن من ناحية أخرى، لن يتم الشعور بوخز الاشواك. ومع ذلك، فإن أي شخص لديه قدر كبير من الدفء الداخلي الخاص به سيفضل الابتعاد عن المجتمع لتجنب التسبب في المتاعب أو الإزعاج أو تلقيه.

معضلة القنفد في علم النفس

دخلت معضلة القنفذ علم النفس بعد اكتشاف الحكاية وتبنيها من قبل سيغموند فرويد . اقتبس فرويد حكاية شوبنهاور في حاشية لعمله عام 1921 علم النفس الجماعي وتحليل الأنا ( بالألمانية : Massenpsychologie und Ich-Analyze ). 

وقد صرح فرويد، عن رحلته إلى الولايات المتحدة في عام 1909: "أنا ذاهب إلى الولايات المتحدة لمشاهدة نيص بري وإلقاء بعض المحاضرات".

حظيت المعضلة باهتمام تجريبي في العلوم النفسية المعاصرة . أشار جون مانر وزملاؤه (ناثان ديوول، وروي بوميستر، ومارك شالر ) إلى "مشكلة النيص" لشوبنهاور عند تفسير نتائج التجارب التي تدرس كيفية استجابة الناس للنبذ . أظهرت الدراسة أن المشاركين الذين عانوا من الإقصاء الاجتماعي كانوا أكثر عرضة للبحث عن روابط اجتماعية جديدة مع الآخرين. (2)

الفيلسوف الألماني، آرثر شوبنهاور كان له رايٌ حول ذلك، حيث يقول في كتابه Parerga et Paralipomena) 1851)، عن معضلة القنفذ (Hedgehog's dilemma)، أنه عندما تتجمع القنافذ معًا من أجل الدفء في فصل الشتاء، فإن كل واحد منهم قد يقوم بوخز الآخر من خلاله أشواكه، مما يضطرون إلى الابتعاد عن بعضهم البعض، لكن هذا الابتعاد سيشعرهم بالبرد، فالبرد هنا سيقودهم إلى بعضهم مرة أخرى، ثم يحدث الشيء نفسه. في النهاية سيكتشفون أن أفضل شيء فعله هو أن يبقوا على مسافة صغيرة من بعضهم بعضًا وهي مسافة الأمان.

فهنا شوبنهاور يوصي بالاحتفاظ بمسافة الأمان هذه مع الناس، لتجنب شوك الآخرين.

يتفق مع هذا الرأي الفيلسوف والكاتب المصري مُصطفى محمود حيث يقول :
" حفظ المسافة في العلاقات الإنسانية مثل حفظ المسافة بين العربات أثناء السير فهي الوقاية الضرورية من المصادمات المُهلكة"
وتطبيقا لهذه النظرية يجب عليك أن تحافظ على مسافة آمنة مع أقاربك أو أصدقاءك أو من حولك في ما يتعلق بحياتك الشخصية أو العملية وغيره، وذلك من أجل حياة آمنة وصحة نفسية.

قصة معضلة القنفذ

القنفذ مع القنفذة زوجته
القنفذ مع القنفذة زوجته


في أحد أيام الشتاء الباردة، اجتمع عدد من القنافذ معًا عن كثب من أجل الدفء المتبادل لمنع أنفسهم من التجمد. لكن سرعان ما شعروا بوخز وتأثير أشواكهم على بعضهم البعض، مما جعلهم يتحركون بعيدًا عن بعضهم مرة أخرى.

 لكن بعد ذلك يشعرون  بالبرد من جديد، الآن عندما جمعتهم الحاجة إلى الدفء مرة أخرى، تكرر مشكل الأشواك بحيث وجدوا أنفسهم بين شرين، حتى اكتشفوا المسافة المناسبة والأمنة التي يمكن أن يتقربوا من خلالها بشكل أفضل مع بعضهم البعض. 

معضلة القنفذ في الثقافة الشعبية

تمت الإشارة إلى حكاية معضلة القنفذ في مسلسل الأنمي Neon Genesis Evangelion، خاصة في الحلقة الرابعة . 

الفيلم القصير هنري الحائز على جائزة هو نسخة حديثة من معضلة القنفذ: في هذه القصة، يجد القنفذ في النهاية الراحة الاجتماعية من خلال سلحفاة، أي مخلوق اجتماعي زميل محصن من أشواك القنفذ. 

في سياق المعضلة الأصلية، يمكن أن يؤخذ هذا على أنه يمثل الحاجة إلى التباين في التفضيلات الاجتماعية للإنسان. كما تدور الأغنية اليابانية Vocaloid Harinezumi التي كتبها توتا كاسامورا حول معضلة القنفذ.