متى اخترع الرقص


- 09:00
الدبكة من الرقصات الجملية
الدبكة من الرقصات الجميلة


عندما نسمع ترنيمات موسيقية متواترة، يبدء البعض وبدون وعي بتحريك اقدامه على النسق الموسيقي، وقد لاحظ الجنرال إدموند هنري هاينمان ألنبي (Edmund Henry Hynman Allenby)، هذا التصرف عند العرب عندما وصفه قائلا:" العرب يجمعهم الطبل وتفرقهم العصا".

وقد لاحظ العلماء ان كل شعب من شعوب العلم يملك نوع معين من الرقص يميزه عن غيره من الشعوب الاخرى، وأن الرقص جزء لا يتجزأ من كل الحضارات والثقافات في العالم،  لكن السؤال هو متى اخترع الرقص؟. 

متى اخترع الرقص؟

يقول البروفيسور في البسكيولوجيا Lawrence Parsons، مالدينا يسشير الى ان جميع الشعوب تملك رقصها المميز، والرقص هو عنصر اساسي للشعوب للتعبير عن شخصيتها". 

والرغبة في الرقص مزروعة بعمق في نفس الهومو سابينس، أي الانسان العاقل الاول ما قبل العصر الحجري، الى درجة انه يحدث ان نقوم بتحريك اقدامنا بدون وعي على انغام الموسيقى التي نسمعها. 

هذه الظاهرة اسماها البروفيسور "غريزة الرقص". بالتعاون مع العالم الكندي Steven Brown، تمكنوا من تطوير نظرية حول كيفية ظهور " غريزة الرقص"لدى الانسان بالترافق مع رحلة تطور البشر.

هذه النظرية جرى بناءها على دراسات على الرقص القديم عند مجموعات من الاثنيات البدائية. 

هل الرقص غريزة بشرية ؟

التصوير الدماغي، حسب العلماء، يشير الى ان الرقص قديم قدم الانسان نفسه، أن الأطفال الصغار يولدون بنوع من الغريزة للرقص، ومن الممكن ان يكون الرقص قد لعب دورا رئيسيا في تطور اللغة البشرية أيضا.

الرقص لدى الشعوب القديمة

في افريقيا قرعات الطبول تخرق السماء، ورقص الراقصين يعطيهم الاحساس بانهم في عالم اخر، على الرغم من ان اقدامهم على الارض. 

الراقصين يلوحون بالمشاعل ويدورون بها في حركات تثير الاعجاب والدهشة والشرار يتطاير منها مئات الامتار، والوجه وتعابيرها المخيفة تضيء تحت الوان النار المتراقصة الحمراء. حفلة الرقص السحرية هذه تحدث في قرية بجنوب افريقيا، كنموذج على حفلات الرقص الذي رافق تطور الانسان منذ القدم.

وفي المسكيك مثلا يمكن معايشسة الرقص الاذيتي (aztekiska)، حيث يرتدي الراقص رداء من العظام مغطاة ببذور كبيرة من شطرة ayoyotl. 

لهذا السبب فإن كل خطوة من خطوات الراقص يرافقها مجموعة من الاصوات المنتظمة الصادرة عن اصطدام العظم والبذور. 

هذه الظاهرة تنعكس في رقصات اخرى، حيث الرقص يرافقه طقطقة الاصابع او ضرب الارض بالاقدام لاستخراج اصوات رتيبة ومنتظمة. 

على هذه الخلفية، يوضح البروفيسور ان من الممكن ان يكون هذا النوع من الرقص قد جرى اكتشافه وتطويره عندما اضطر الاجداد الى الركض على قدمين حاملين بأيديهم شئ ما كان يصطدم بأجسامهم بتواتر منتظم، اثناء الركض. 

بذلك تكون هذه الجماعات الاولى محاطة على الدوام بالضرورة التي تحركوا في تناغم معها. يمكن تشبيه الامر بذات الطريقة التي ادت لنشوء نغم الشعر العربي تحت تأثير خطوات سير الجمل.

مع الزمن اندمج هذا التناغم مع الحياة اليومية واصبح له اهمية تواصل اجتماعية. من خلال معايشة مشاعر متعددة في نفس الوقت ، تحت تأثير الرقص، تتزايد قوة الروابط الاجتماعية بين افراد الجماعة، مثلا قبل الخروج الى الصيد. 

فيما بعد حصل الرقص على دور في الشعائر والطقوس الروحية من حيث ان الرقص يؤدي غالبا الى الوقوع في الترانس، تماما على نمط رقص الزار. 

الرقص في العصر الحديث 

في عصرنا اليوم اصبح الرقص نوع من الفنون، وأصبح  للرقص معاني عديدة في العديد من نشاطات الانسان مثل التعبير والاشارات الرمزية والاثارة الحميمية والتعارف والحب والترويح عن النفس والعلاج والمحافظة على الصحة وتقوية الروابط الاجتماعية والشعور بالانتماء.

خلال مسيرة تطور الانسان تطورت ايضا علاقة طردية بين الرقص والخصائص الاجتماعية للفرد، مما ادى الى انعكاسها جينيا على الاجيال الحديثة. 

مثلا، غالبا مايملك الراقصين المحترفين تمايز في جينين لهم خاصية توجه المرء نحو الانفتاح وسهولة إقامة العلاقات. 

هذا الاستنتاج توصل اليه البروفيسور Richard Ebstein، من جامعة هيبرو الاسرائيلية، بعد ان قام بتحليل الحامض النووي لـ 85 راقص ومقارنتها بمثله من غير الراقصين. 

إضافة الى ذلك جرى تحليل الاجابات التي قام الراقصين بإملائها في البيانات، وتتعلق باسئلة عن خصائص لها علاقة بالابتكار والتعبير والقدرة على المعايشة والاندماج. المجموعة التي كانت تشكل معيار المقارنة القياسي عددها 870 شخصا.

مجموعة الراقصين المحترفين امتلكت مظاهر جينية وسلوكية مشتركة، بما فيه الخصائص الطاغية الناجمة عن جينين يشتركون فيهم. 

هذه الجينات المسؤولة عن تشفير عوامل تبادل مادة serotonin وريسبتور (مستقبل) للهرمون vasopressin، ( وهي مادة تؤثر على قدرتنا على الانتباه وقدرة مشاعرنا وعلى التواصل وموقفنا من العلاقات الاجتماعية). 

خلال رحلة التطور البيلوجي، انتقلت هذه الخصائص المكتسبة الى الشيفرة الجينية، حسب Richard Ebstein. من هنا فإن القدرة على التواصل وإقامة العلاقات الاجتماعية ، التي تميز الراقص بالفطرة حصل عليها بفضل اصطفاء جيني منحه هذه الميزة.

الدارسين لهذه الظاهرة استخدموا طرق غير تقليدية من اجل اجلاء الفرق بين الرقص والحركات الاخرى. اختار الاختصاصيين الااشخاص الذي ستجري عليهم الاختبارات من بين خيرة هواة الرقص، وخلال التجربة جرى تصوير نشاط دماغهم بأجهزة PET، في ذات الوقت الذي كانوا ينصتون الى موسيقى راقصة، من خلال سماعات على اذانهم. بأقدامهم سيقومون بالرقص على انغام الموسيقى مستندين على صفيحة خاصة موجودة بزاوية تناسب وضع اقدامهم.

التجربة جرى تكرارها بأشكال عديدة، واحيانا بدون موسيقى. في احيان اخرى على الراقص ان يصغي للموسيقى بدون ان يحرك اقدامه. بعض المرات جرى الاصغاء الى موسيقى غير راقصة، واحيانا كان على الراقص فقط توتير عضلات اقدامه. 

في خلال كافة هذه الاحداث كان الباحثين يتابعون نشاط الدماغ. بهذا الشكل جرى توثيق خارطة عمل الدماغ المميزة لكل من النشاطات.

عندما كان الشخص يرقص، كان هناك نشاط كبير في منطقة خاصة من الفص الايمن من الدماغ. هذه المنطقة تقابل المنطقة المسماة Brocas والواقعة في الفص الايسر، وهي متصلة بالسيطرة على اللغة. ان يكون النشاط في المنطقة اليمنى المتناظر مع منطقة برومكاس في الفص الايسر يمكن ان يكون بسبب ان اللغة بدأت في الاصل كحركات راقصة ثم تطورت الى تعبيرات صوتية. يشير بارسون الى " ان هذا الاستنتاج لازال في دائرة الاعتقاد". غير ان نظريته تشير الى ان الرقص نشأ كطريقة رمزية للتواصل، حيث قام الفص الايمن بالتحكم بها.

ملاحظة انشطة الادمغة عند الراقصين الذين جرت عليهم الاختبارات، اظهرت ان نشاطات كثيفة تركزت في مناطق دماغية من المناطق المعروف انها تطورت في المراحل الاولى من ظهور الانسان.

 cerebellum (latin for little brain)، يقوم بتنظيم التواتر وضبط تناظر الحركة مع الموسيقى. المنطقة المسماة nucleus geniculatus تكون نشيطة عندما نقوم، بصورة غير واعية، بالتحرك حركة نسقية. هذا الامر يتوافق مع كون المنطقة في تواصل من الدماغ الاصغر وليس مع القشرة الدماغية، حيث موقع الوعي.

العلاج بالرقص

الباحثين يأملون ان تقودهم هذه الاكتشافات الى طرق جديدة للعلاج بالرقص. البروفيسور Gammon Earthart من جامعة واشنطن الطبية في سانت لويس بدأ محاولات لعلاج المصابين بالباركينسون بالرقص،  والذي من أعراضه اختلال القدرة على السير المنتظم وارتجاف اليد، وسببها انخفاض انتاج مادة الدوبامين، الذي يستخدمه الدماغ من اجل التحكم بالحركة (dopamin). من خلال حث المصابين على رقص رقصة التانغو يامل البروفيسور في تعويض الاعاقة الحركية.

التوازن لدى الاشخاص الداخلين في التجربة تحسن بصورة ملحوظة، وسيجري قريبا إعادة التجربة بصورة اكثر شمولية، على امل تأكيد النتائج. البروفيسور على ثقة من ان التانغو قادر ان يكون علاج فعال، إضافة الى انه ممتع.

المراجع: