لماذا اتخذت السعودية النخلة شعارا ورمزا لها؟


- 01:22
نجد الكثير من الشعوب  والبلدان  تتخذ صور بعض الاشياء شعارا ورمزا  لها لعدة أسباب منها أن هذه الاشياء توجد  حصرا بهذا البلد فحسب مثل استراليا التي تتخذ حيوان الكنغر شعارا لها  او لبنان التي اتخذت شجرة الارز اللبناني رمزا لها ..الخ ، او لأن هذه الاشياء  يتميز وجودها بكثرة في هذا البلد او ذاك فقط.

لكن المملكة العربية السعودية لم تتخذ النخلة شعارا ورمزا لها لمجرد أن  النخلة موجودة بالسعودية فحسب، بل لاعتبارات  تاريخية و ثقافية يجهلها الكثير من الناس، فالنخلة توجد بالعديد من البلدان الاخرى ايضا ولم تتخذها شعارا لها.

إذن هل تعلم لماذا جعلت المملكة العربية السعودية النخلة شعارا لها و ما هي الاعتبارات التي جعلتها تختار النخلة كرمز وشعار رسمي لها ؟. في ما يلي الجواب الشافي وأهم الاعتبارات التي جعلت السعودية تتخذ النخلة شعارا رسميا ورمزا لها :

لماذا إتخذت السعودية النخلة شعارا ورمزا لها ؟ 


شعار السعودية النخلة

1. مكانة النخلة في قلوب السعوديين 

في أرض المملكة العربية السعودية وعبر التاريخ لم تكن النخلة تعيش في الحقول و البيوت فحسب بل في قلوب اهلها و وجدانهم أيضا ، و ذلك لما ورثوه  من حب كبير وتعلق عظيم بهذه الشجرة المباركة لفوائدها العظيمة ومزاياها القيمة،  فهي فضلا عن انها الشجرة التي قاومت ظروف البيئة القاسية و أعطت بسخاء كبير ما لم تعطي شجرة اخرى تحث الظروف ذاتها ، فإنها أيضا لا يبقى جزء منها إلا و يستخدم إستخداما هاما  في حياتهم بدءا من التمرة حتى الجريد والكرب .

فمنها الغذاء و الوعاء والاتاث ومنها البناء ومصدر الوقود و الدفء في الشتاء والظل في الصيف، وقد كانت صديقة الاجداد عبر التاريخ و اذا حل موسم الجني تزودوا من التمور الناضجة لتكون لهم زادا بقية السنة، ولم تكن تشكل تمرة هذه الشجرة  طعاما للاجداد فحسب بل سلعة يتم المقايضة بها فتقضي بها الحوائج وتشتري الاملاك وتقضي الديون وتمهر النساء وترقأ الدماء وتدور عجلة التجارة، كما كان التمر الغذاء الانسب للجيوش الاسلامية  في مجاهيل الصحراء العربية ، و كم صاحب التمر سرايا المجاهدين من الصحابة رضي الله عنهم وهم ينشرون الاسلام في اصقاع المعمورة .

2. النخلة شجرة الخير و البركة 

  تعتبر الجزيرة العربية مهد الاسلام الذي منح النخلة مكانة عظيمة في نفوس المسلمين ، و جميع المسلمين اليوم يرون  النخلة شجرة مباركة عظيمة و لا ادل على ذلك من ذكرها في كتاب الله عز و جل في اكثر من موضع ، و في الكثير من الاحاديث النبوية الشريفة ، و في  قصة مريم عليها السلام حيث قص الله علينا خبرها و حدث مخاضها فاوحى لها جل شانه "وهُزِّي إليكِ بجذعِ النخلةِ تُساقِطْ عليكِ رُطَباً جَنِيّاً (25)" -- سورة مريم .

ومن عظم قدر هذه الشجرة وكبير نفعها ذهب أهل التفسير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الشجرة الطيبة التي شبهت بكلمة التوحيد في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ"(إبراهيم : 24- 25) بأنها النخلة، فقد روى الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين (جـ2، ص 383) عن أنس مالك رضي الله عنه قال: "  أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقرأ مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة، فقال هي النخلة. "

و من الأحاديث النبوية الشريفة التي تشير إلى أهمية النخلة وثمارها. شبهها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وأنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله فقال: هي النخلة ".

كما  هي ايضا من اشجار الجنة كما جاء في القران في سورة يس : وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴿٣٤ يس﴾ ، ايضا قوله عز وجل في سوة الرحمان: فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴿١١ الرحمن﴾ . فضلا عن هذا كله لا يخفى على احد الفوائد الطبية والغذائية العظيمة لثمار هذه الشجرة المباركة.

3. النخلة في التراث العربي القديم 

 تاه الادباء العرب قديما  وحديثا بالنخلة فوصفوها بكل وصف جميل وحسن و شبهوها بالأم والمحبوبة وباوصاف عظيمة كثيرة  ..ومن اجود ما قيل في النخلة في الشعر العربي القديم  للنمر بن تولب ، الذي ولد في الجاهلية ثم ادرك الإسلام فأسلم ، نجد الابيات التالية واصفا النخلة باسلوب بديع حيث وصف أشجار النخل ببنات الدهر :
  • ضرين العرف في ينبوع عين ... طلبنا المعين حتى ارتوينا
  • بنات الدهر لا يخشين محلا ... اذا لم تبق سائمة بقينا 
  • كأن فروعهن بكل ريح ... عذاري بالذوائب ينتصينا 

4. النخلة شجرة تستحق التكريم 

شعار السعودية ذهبي

لقد حبا المولى عز وجل شجرة النخل بعدة مميزات لا تتوافر في غيرها من الأشجار:

  1. • تتحمل النخلة موجات الحر الشديد والجو الجاف  والعواصف الرملية والحرارة المفرطة.
  2. • إمكانية نموها تحت ظروف الجفاف الشديد وقلة الامطار ويرجع ذلك إلى طبيعتها التركيبية والتشريحية.
  3. • يمكنها أن تتحمل المناطق الغدقة والتي يرتفع فيها مستوى الماء الأراضي وقله التهوية.
  4. • تتحمل شجرة النخل التركيز العالي من الأملاح في مياه الري وعلى ذلك فإن النخيل يلعب دوراً هاماً في المحافظة على البيئة ومكافحة التصحر.

النخلة صديقة البيئة لان جميع مخلفاتها يستفيد منها الإنسان فللنخلة فوائد كثيرة حيث يصنع من أليافها الحبال ومواد الحشو للأثاث, ومن أوراقها الزنابيل والقفف والقبعات الشعبية, ومن جريدها تصنع السلال وأوعية نقل الفواكه والخضراوات وصناعة الأثاث الخفيف مثل الكراسي و الأسرة, ومن نوى التمر تستخرج زيوت وتستخدم البواقي كعلف للحيوانات, وجذع النخلة المقطوعة يستخدم لتسقيف المنازل الريفية وكدعامات.

وليس هناك من شعب أكرم هذه الشجرة المباركة المعطاءة مثلما فعل أهل السعودية، بإختيارهم لهذه الشجرة رمزا و شعارا لهم بل هو إختيارعظيم وفي محله بالظبط ودليل فطنة أهل هذا البلد والقائمين عليه  و لم يأتي اعتباطا، و هو افضل تكريم لهذه الشجرة المباركة التي ترمز للصبر والعطاءة.  والملاحظ ان من صفات النخلة  الصبر والعطاء والكرم هي نفسها صفات الانسان العربي الاصيل : الصبر والعطاء والكرم ، و حقا صدق من قال ان الانسان ابن بيئته .