ما هي نظرية النوافذ المكسورة وكيف تستفيد منها في حياتك |
هل لاحظت أنه في الأماكن العامة بالمناطق الحضرية، مثل الحدائق العمومية والشواطئ والطرق العامة وغيرها، عندما يحدث تخريب بسيط أو تلويث صغير فيها، وبمجرد ما يتم اهماله ولا يتم إصلاحه في حينه، حتى يتفاقم هذا التخريب ويحدث التدمير من طرف الناس مع مرور الوقت ويعم المكان الخراب؟!
إن هذا الأمر هو ما تفسره نظرية النوافذ المكسورة، التي وضعها عالما الاجتماع جيمس ويلسون و جورج كيلنج، فما هي هذه نظرية يا ترى؟
إليك في هذا المقال شرح معنى نظرية النوافذ المكسورة، وأمثلة عنها، وكيف تستفيد منها هذه النظرية في حياتك، قراءة ممتعة:
ما هي نظرية النوافذ المكسورة؟
نظرية النوافذ المكسورة وتسمى أيضا نظرية النوافذ المحطمة (Broken window theory) هي نظرية اجتماعية وضعها المتخصصان في علم الاجتماع والجريمة جيمس ويلسون (James Wilson) و جورج كيلنج (George L. Kelling) عام 1982. بالاعتماد على بحث سابق أجراه عالم النفس بجامعة ستانفورد فيليب زيمباردو. من اجل ضبط القواعد ومحاربة الجرائم والفوضى وتحسين السلوك البشري.
وتنص هذه النظرية على أن أي شيء أو مكان مُهمل ظهر فيه تخريب بسيط، مثل نافذة مكسورة، يشجع على احداث المزيد من التخريب والتدمير فيه، ويزداد هذا التخريب ويتراكم أكثر ويتفاقم بمرور الوقت. (1)
وتؤكد هذه النظرية أن التساهل مع التخريب والجرائم الأصغر، من شأنه أن يجعل الجرائم الأكبر أمرًا عاديا و "طبيعيًا".
ويميل علماء النفس الاجتماعي وضباط الشرطة اليوم إلى الاتفاق على أنه إذا تحطمت نافذة في المبنى وتركت دون إصلاح ، فإن جميع النوافذ المتبقية ستتحطم قريبًا.
يعني إن إحدى النوافذ المكسورة التي لم يتم إصلاحها، هي إشارة إلى أن لا أحد يهتم، وبالتالي يشجع على كسر المزيد لأنه تم التسامح معه في البداية ولم يكلف عقابا.
وتؤكد هذه النظرية أن تفاقم الجرائم في المجتمعات هو نتاج الإهمال والتساهل مع الفوضى وعدم الالتزام بالنظام الأساسي والحس الجمالي في المجتمعات البشرية، كما تفسر هذه النظرية كيفية تأثير الفوضى والتخريب على المناطق الحضرية والمتمثل بانتشار الازبال والتخريب والسلوكيات المعادية للمجتمع.
وقد لاحظ العرب القدامى هذه النظرية في الحياة وعبروا عنها في شكل أمثال وأقوال مأثورة لما قالو: ٍعظيم النار من مستصغَر الشرر ، وأن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن صغائر الأمور بدايات عظائمها.
لماذا سميت النظرية بالنوافذ المكسورة؟
النوافذ المكسورة هي استعارة لأي علامة مرئية على الفوضى في بيئة لا تتم العناية بها. قد يشمل ذلك الجرائم الصغيرة ، وأعمال التخريب ، والسلوك المخمور أو غير المنضبط ، وما إلى ذلك. يمكن للإجبار على مواجهة مشاكل بسيطة أن يؤثر بشكل كبير على شعور الناس تجاه بيئتهم ، ولا سيما شعورهم بالأمان.
أمثلة على نظرية النوافذ المحطمة في الحياة
إذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، فسيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومنه فستبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله.
لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل أيضاً السيارات المهجورة، ومراتع القمامة، والأركان المظلمة من الأحياء والطرقات، وانتشار الازبال في الحدائق العمومية والشواطئ وغيرها.
وقد تكون البداية من مشكلات بسيطة نسبياً مثل الفوضى العامة، لكنها في الواقع تمثل دعوات إلى المزيد من الجرائم الخطيرة. فكم من شيء بدأ كمشكلة بسيطة وأُهملت، ثم تطورت في تعقيدها بعدد من المراحل والدوائر لتصبح نقطة تحول لنوع من الجرائم الخطيرة المنظمة، فيجب أن تردع تلك الأفعال من البداية قبل تفاقمها وتطورها وأخذها منحنيات أخرى.
مبدأ نظرية النوافذ المحطمة هو مبدأ بسيط ولكنه عبقري في تقنينه ثم جعله قانونا قابلاً للتطبيق على أرض الواقع، فوجود النوافذ المكسورة في الشوارع يشجع المارة على كسر المزيد منها من باب العبث والتقليد العمى، أو ما يسمى عقلية القطيع.
ثم يتجرأ الفاعل فيكسر نوافذ السيارات، ثم يتحول العبث إلى جرأة فيتم اقتحام البيوت وسرقتها، أو إتلافها، كذلك الحال بالنسبة لوجود بعض المخلفات والأزبال البسيطة على أرضية الشوارع وغيرها يشجّع على رمي المزيد من المخلفات والأزبال حتى ينعدم الذوق العام ولا يصبح للنظافة معنى !
جوهر النظرية مبني على علم النفس البشري الذي يقول بان الإنسان لديه قدرة وحب الانضباط والالتزام بالقوانين والآداب العامة متى ما توفرت له البيئة المشجعة على ذلك، وسرعان ما ينفك من هذا الالتزام متى ما رأى الانفلات من حوله !
نتائج نظرية النافذة المكسور بعد تطبيقها
كانت نتائج نظرية النافذة المكسور بعد تطبيقها في القوانين مذهلة |
أتت نظرية النافذة المكسور بنتائج إيجابية مذهلة بعد تطبيقها، فقد غيرت هذه النظرية الكثير من القواعد والقوانين في العقود الماضي وحسنت من سلوك الناس في الكثير من البلدان.
كما ساهمت في تطوير قوانين الإدارة عموما وفي الإدارة المدنية خصوصاً، فعلى مستوى المدن الأمريكية مثلا فُرضت الضرائب على كل من يرمي المخلفات في الشوارع مهما صغر حجمها.
كما يتم تنظيف الجدران في الشوارع والاحياء كل يوم من كل ما يكتب عليها، وتُغسل وسائل النقل العمومي يوميا وتُظف، حتى يشعر الناس أن من واجبهم المساهمة في الحفاظ على هذا الإنجاز الحضاري، وجمال ورونق الفضاء العام.
وعلى مستوى حركة السير والمرور فُرضت الضرائب على كل مخالفة صغيرة (مهما مانت صغيرة) فقلّت المخالفات الكبيرة واختفت الحوادث، وعلى المستوى الأمني تحوّلت نيويورك تلك المدينة المعروفة بالإجرام والسطو والفوضى في حقبة الثمانينيات - بعد تطبيق هذه النظرية - إلى مدينة أكثر أمناً ونظافة وترتيباً.
وبعد رؤية هذه النتائج المبهرة للنظرية تبنّت الإدارات الحكومية والمؤسسات الخاصة هذه النظرية كأساس مهم في فن الإدارة لتطوير العمل ورفع الإنتاجية والارتقاء بالمنتج وتحسين السلوك.
التجربة التي جاءت بنظرية النافذة المكسورة
نافذة مكسورة |
في سنوات السبعينات من القرن العشرين قام عالم الاجتماع ستانفورد فيليب زيمباردو، قبل وضع هذه النظرية الشهيرة، بتجربة فريدة والتي كتب عنها عنها بعد ذلك، لقد قام بوضع سيارتين في أماكن يمر منها الناس كثيرا، واحدة تم وضعها في حي فقير والثانية في حي غني، والسيارتان كانتا مهملتين ومفتوحتان وبدون لوحات معدنية.
السيارة الموجودة في الحي الفقير بدأ المارة يخربونها أكثر، والأطفال ينتزعون منها بعض القطع والأشياء ويعلبون بها، وفي خلال بضعة أيام أصبحت السيارة مخربة تماماً.
والسيارة الثانية التي وُضعت في الحي الغني لم يقترب منها أحد، فقام المشرفين على التجربة بكسر زجاج السيارة وتركها وانتظار رد فعل الناس.
بعض المارة لما لاحظوا أن زجاج السيارة مكسور لعدة أيام، بدأوا يقتربون من السيارة بفضول، و بدأت عملية احداث المزيد من التخريب في السيارة المهملة من طرفهم. وخلال أسابيع قليلة أصبحت السيارة مخربة تماماً مثل السيارة التي كانت موضوعة في الحي الفقير.
وفي بداية سنوات الثمانينات أخد عالمي الاجتماع چيمس ويلسون و چورچ كيلينج هذد التجربة و كرروها بأشكال مختلفة على مباني وأشياء أخرى في احياء مختلفة. وفي كل مرة كانت تحصل نفس النتيجة.
واستنتج العالمان أن وجود شيء مكسورة مهمل يكون حافز للناس انها تبدأ المزيد من التكسير والتخريب، يعني مشكلة صغيرة تم اهمالها و عدم معالجتها يكون حافز لحدوث مشاكل اكبر و سلوكيات ثانية غير منضبطة.
وأن التخريب المهمل يرسل رسالة خفية للعقل تقول انه ليس هناك من يهتم بهذا الشيء، واعمل ما تريده، تخيل مكان نظيف جداً و انت في يدك علبة عصير فارغة، ستفكر الف مرة قبل ما ترميها على الأرض هناك، لكن لو لقيت كيس شيبس مرمي على الأرض أو علبة بسكويت فارغة، ستكون الاحتمالات أكثر بكثير انك ترميها في نفس المكان.
بعض المراهقين الذي يركبون المواصلات العامة عندما يجدها في حالة من الاهتمام والنظافة، يتعامل معها باحترام وقلما يخربها، لأنه هناك من يهتم بها، لكن لو وجد تخريب بسيط مهمل مثل شباك مكسور أو كرسي مقطوع ولا حد مهتم بإصلاحه ستكون احتمالية انه يخرب فيها اكثر وإحداث المزيد من التدمير.
كيف تستفد من نظرية النوافذ المكسورة في حياتك؟
كيف تستفد من نظرية النوافذ المكسورة في حياتك؟ |
لا تشمل نظرية النوافذ المكسور الفضاء العام والمجتمع فقط ، بل تلامس حياتك الخاصة برمتها أيضا، فمثلا لو انت غير حريص على نظافة مكتبك وتترك كوب القهوة الفارغ مكانه، وتقوم باستعمال كوب اخر وتركه هو كذلك، واهمال العلب الفارغة مكانها، ستاتي لحظة تجد الموضوع يكبر وستجد الفوضى تعم المكتب، وسينعكس ذلك سلبيا على سلوكك، ويبعث على الخمول والانزعاج، ويصبح الأمر يحتاج وقت ومجهود كبير للتنظيف.
لكن لو كنت تشرب القهوة في مكتبك ويتم نقل الكوب الفارغ بعد الانتهاء منه ووضعه في مكانه المخصص للغسل، وكذلك نفس الشيء مع العلب الفارغة والتخلص منها وغيرها من الأشياء الزائدة، وترتيب كل شيء في مكانه، سيضل المكتب نظيفا ومرتبا، وسينعكس ذلك على سلوكك إيجابيا، ويعزز الشعور بالراحة والإنتاجية أكثر.
كذلك إن اهمال المشاكل الصغيرة في علاقاتك الاجتماعية والإنسانية، يجعلها تتراكم وتتفاقم وتتحول لمشاكل كبيرة يصعب حلها بعد ذلك.
إن إهمال أي نافذة مكسورة في حياتك ستكون دعوة غير مباشرة للأخرين للتطفل على حياتك، واحداث المزيد من التخريب فيها. أما إصلاحها فوراً سيجعلك تحافظ على احترامك أطول فترة ممكنة.
لو نظرت حولك ستجد امثلة كثيرة جداً للنوافذ المكسورة في حياة الناس، وكيف كانت هي العامل المحفز الأساسي لمشكلة ثانية اكبر بكثير.
وقد حذرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم من هذا، كما ذكر ذلك العالم الجليل أحمد بن حنبل عن عَبدِ اللَّهِ بنِ مسعود رضي اللَّه عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ (2)
إن تجاهل المشاكل الصغيرة يؤدي إلى مشاكل أكبر بكثير في المستقبل، وفي الواقع، الكثير من القضايا الصحية والبيئية والاجتماعية التي نواجهها حالياً كانت نتاج تراكمات لأفعال وسلوكيات وظروف خاطئة صغيرة تم تجاهلها وعدم معالجتها في الماضي.
كما يجب عليك أيضا أن تحتاط وتنتبه من خطأ خلق وإحداث نوافذ مكسورة في حياتك من حيث لا تشعر، وبدون قصد، فتكون النتيجة كارثية.
مثال عن إحداث نافذة مكسورة دون وعي
هي قصة صاحب مزرعة نباتية كان يسمح لإثنين من أصدقائه بالذهاب للمزرعة وأخذ ما طاب لهما من الطماطم التي هي على وشك التلف دون حضوره. يركن الصديقان دراجتيهما على جانب الطريق ويدخلا المزرعة ويأخذا ما طاب لهما من الطماطم مجانا في أكياس شفافة ويغادرا المكان، ولما رأوهم المارة اعتقدوا ان صاحب المزرعة أهملها وسمح للناس بالدخول اليها.فدخل المارة واحد تلوى الاخر الى المزرعة وافرغوها بالكامل من الطماطم ومن جميع الخضر والفواكه الأخرى، ولما حضر صاحب المزرعة لم يستوعب ما جرى، ولم يفهم من سمح لهم بالدخول للمزرعة.
يجب علينا إصلاح أي شيء مهما كان صغيرا في وقته في حياتنا وعدم التهاون معه قبل أن يتفاقم اكثر وتكبر المشكلة. وكذلك يجب الانتباه لبعض الأخطاء البسيطة التي قد تكون بمثابة خلق نافدة مكسورة في حياتنا دون أن ندري.
أنظر أيضا: ما هو قانون باركنسون؟ وكيف تستفيد منه في حياتك.
فوائد نظرية النوافذ المكسورة
تطبيق نظرية النوافذ المكسورة في الحياة، له فوائد عظيمة على الحياة، سواء الحياة العامة أو الحياة الخاصة معا، فعندما يكون البيت أو الحي مرتبا ونظيفا وأنيقا، حتى لو كان فقيرًا، ولا يتم التساهل مع الفوضى والتخريب ولو كان بسيطا، فإن سكانه يتمتعون بإحساس أكبر بالأمان، ويشيع التعامل والتصرف برقي ولطف أكثر.
كما يمكن أن يكون العناية اليومية بالبنية التحتية الاجتماعية وصيانتها - مثل المكتبات العامة والمتنزهات والمساحات الخضراء الأخرى وممرات البيع بالتجزئة النشطة - خيارًا أكثر استدامة وتحسين الحياة اليومية للأشخاص الذين يعيشون هناك.
خلاصة نظرية النوافذ المكسورة
إن اهمال معالجة أي مشكلة مهما كانت صغيرة في بيئة معينة، يجعل لدى الناس شعورا باللامبالاة تجاه هذه البيئة وتعاملهم معها سيكون سلبيا.
إن معالجة المشاكل الصغيرة فوراً يخلق مشاعر إيجابية عند الناس تجاه البيئة وتعاملهم معها سيكون بحرص وإيجابية واحترام.