اتق شر من احسنت إليه في قصة معبرة


- 07:24
الغدر ونكران الجميل
اتق شر من احسنت إليه في قصة معبرة


هناك قصة جميلة لأندريه موروا André Maurois، عن رجل أحسن الى صديقة الرسام بان علمه طريقة لبيع لوحاته، لكن بعدما نجح الرسام واصبح مشهورا تنكر لصديقه وعامله بجفاء وغدر ونكران ذات ، وهي قصة تجسّد الحكمة الشهيرة القائلة: اتقي شر من احسنت إليه

اتقي شر من احسنت إليه. 

يحكي أنه كان في أحد البلدان رسام مبدع في الرسم لكنه مغمور ولا يبيع لوحة واحدة من لوحاته. وذات يوم زاره رجل من أصدقائه يعمل صحفيا،  فرقَّ لحاله، واقترح عليه فكرة جميلة لبيع الكثير من لوحاته، وكانت فكرته بأن يدعي الرسام للناس بأنه ابتكر أسلوباً جديداً في الفن والرسم.. اسمه : (الطريقة الفنية التحليلية).

فقال له الرسام: كيف ذلك؟
فقال له الصحفي: ''هل يمكنك أن ترسم لي بعض اللوحات العادية التي تحوي رسومات معبرة. مثل، امرأة جميلة وحولها أوراق مالية كناية عن حب المرأة للثراء. أو رجلاً بديناً متأنقاً حوله دموع ودم كناية عن أغنياء الحرب. فهل تستطيع ذلك''؟

أجاب الرسام: ''بالتأكيد''.
فقال له الصحفي: ''إذن نفذ عشر لوحات بهذه الطريقة، وسوف أكتب أنا مقالاً عن طريقتك العبقرية  الجديدة وعن معرضك المقبل''.

وهكذا أنجز الرسام ما اقترحه عليه صديقه الصحفي في ليلة واحدة، وجاء يوم المعرض الذي احتشدت الناس كلها لترى هذا الفن الجديد. وكان هناك حشد من النقاد الفنيين.

 فقال الصحفي للرسام: ''لا تخف... كلما سألك أحدهم عن معنى (الطريقة الفنية التحليلية) اكتف بأن تنفث دخان الغليون في وجهه، وقل له: هذا شيء خارق ولن يستوعبه إلا عقل خارق!. فسوف يتظاهرون بأنهم فهموا المعنى!''.

نفذ الرسام تعليمات صديقه. وكلما التف حوله النقاد أو الصحفيون وسأله أحدهم  عن مغزى ومعنى فنه الجديد، نفث الدخان في وجوهه وقال: ''هذا شيء خارق ولن يستوعبه إلا عقل خارق''.

هكذا يصيحون في انبهار: ''هذا شيء عجيب... يا له من عبقري!''.

انتهى المعرض بعدما بيعت كل اللوحات بثمن باهظ. وصار الرسام أغنى وأشهر فنان في بلده.

جاءه صديقه الصحفي ضاحكاً بعد رحيل كل الناس وقال: "هل رأيت كيف بعت عدد كثير من  اللوحات العادية جدا بأسعار باهظة رغم انها لا تستحق كل ذلك الثمن''.

نظر له الرسام في حزم وقال: ''هل أفهم من هذا أنك تسخر من طريقتي الفنية التحليلية؟''.

صاح الصحفي في غيظ: ''ماذا؟ هل تصدق نفسك. أنت تعرف أنه لا يوجد شيء اسمه (الطريقة الفنية التحليلية)''.

هنا نظر له الرسام طويلاً ثم نفث دخان الغليون في وجهه وقال: ''هذا شيء خارق ولن يستوعبه إلا عقل خارق!".  وانصرف عنه كأنه لا يعرفه.

فتجمد الرجل الصحفي في مكانه من هول الصدمة من غدر "صديقه" الرسام الناكر للجميل.

العبرة من القصة

العبرة من القصة هي: اتق شر من احسنت إليه.  فإن الغدر ونكران الجميل موجود ومن صفات ضعاف النفوس من بني البشر، وقديما قال الشاعر العربي  زهير بن أبي سلمى:
  • ومن يجعل المعروف في غير أهله
  • يـكـن حـمـده ذمّـاً عــلـيــه ويــنــدم
  • وَمَهْمَا تَـكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مَنْ خَلِيـقَــةٍ 
  • إِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَـلَى النَّـاسِ تُـعْـلَـم

ويقول المثل العربي: 
علمته الرماية فلما اشتد ساعده رماني

فهذا الصحفي كان يمتلك نظرية فلسفية لم يكن يفهم معناها ولقنها للفنان ومن خلال لوحاته استطاع الفنان ان يفرضها بلوحاته كواقع، فتنكر لجميل الصحفي ونسب كل فضل النجاح لنفسه، وهذا واقع الكثير من الناس اليوم فلدى الكثير من الأشخاص مواهب لا يعرفون كيف يبرزونها للناس وعندما يساعدهم احد وينجح أخيرا في ابرازها فينقلبون ضده.