ما هي الحرب النفسية وكيفية مواجهتها


- 08:15
الحرب النفسية البروباغاناد
ما هي الحرب النفسية وكيفية مواجهتها

ما هي الحرب النفسية؟

ظهر مصطلح الحرب النفسية Psychological warfare، والتي تسمى أيضًا الحرب السيكولوجية، أو حرب الأفكار أو حرب الأعصاب، خلال القرن العشرين، وإقترن ظهور هذا المصطلح  بالخلفية التاريخية والسياسية والعسكرية المنتشرة منتصف القرن العشرين، وبالتحديد إبان الحرب العالمية الأولى والثانية. رغم أن تكتيكات الحرب النفسية استخدمت  قبل ذلك عبر التاريخ.

وتعني الحرب النفسية أيّ دعاية أو بروباغندا أو أيّ فعل يمارَس وفق أساليب نفسية لاستثارة رد فعل نفسي مخطَّط له من الآخرين. كما تُستعمل  أيضا لانتزاع اعترافات أو تعزيز مواقف وسلوكات تناسب أغراض مَن يشنّها، أو في إحباط الأعداء، بتكتيكات تستهدف الحطّ من معنوياتهم أو إثارة الرعب والخوف والقلق في نفوسهم من اجل التاثير في قراراتهم ومواقفهم.

ويعد السياسي الألماني البارز بول يوزف غوبلز Paul Joseph Goebbels، وهو وزير الدعاية في ألمانيا النازية، أول من وضع أسسًا وقواعد للحرب النفسية، وكان أيضا أول من أكد على أهمية الحرب النفسية في التأثير، والتي كان  يهدف من خلالها إلى إثارة حالة من الإلهاء العام للشعب والتأثير في الخصوم على حدٍ سواء؛ حتى يضمن حالة من السيطرة النفسية على كل من الشعب والأعداء. 

ولقد ذكر بول غوبلز في مذكراته: «أحرص على أن تصير الجماهير في حالة من الانشغال الدائم». حتى تثبت حالة الإلهاء على أرض الواقع عند إثارة قضايا متعددة ومتشتتة في آن واحد، وبذلك يصعب على الشخص أن يفهم محتواها وبأي قضية يتجه، وعلى أي مصدر يعتمد.

وهذا ما هو حاصل حقيقة في حقل الإعلام اليوم في السيطرة على عقول الجماهير، فقد نجد القائمون على المؤسسات الإعلامية  يقومون  بطرح مواضيع مثيرة للجمهور بشكل متواصل ومتكرر حتى تترسخ فكرة معينة بما تتوافق مع سياستهم الإيديولوجية، وبالتأكيد، يجب أن تنطوي تلك القضايا على أكذوبة كبرى لتحقيق أفضل الغايات والأهداف.

أسباب الحرب النفسية

كتاب عن الحرب النفسية
أحد الكتب لإنجليزية الذي يتناول موضوع الحرب النفسية

لو تمعنا قليلًا في مفهوم الحرب النفسية، لوجدنا أن هناك صعوبة في تحديد أسباب وأبعاد  الحرب النفسية وحدودها التي تنطلق منها وأين تنتهي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الحرب العسكرية تحيلنا إلى وجود هجوم مادي ومعنوي  بين طرفين يتم التحضير له من قبل، وانتهاؤه يكون بانهزام أحد الطرفين أو إستسلامه أو تدخل طرف ثالث لوقف الحرب وعقد إتفاقية سلام.

غير أن هذا لا يحدث مع الحرب النفسية، فقد تُشن الحرب النسية في أي لحظة لأسباب مختلفة، وتستمر لفترات بعدها، وقد نجد في بعض المرات أحد الأطراف يعلن حربًا نفسية على العدو بدون أن يسبق للآخر أن يعلم بذلك  وهذا ما يجعلها تعد من أخطر وأحدث الأسلحة التي يمكن حملها ليس للقضاء على العدو فقط، وإنما لسيطرة عليه والتحكم في فكره ومشاعره وتوجيهه وفق ما يريده المهيمن تحقيقًا لأجندة وأهداف تخدمه هو لا غير تحكمًا كليًّا في كيانه.

كيفية مواجهة الحرب النفسية؟

 ليس من السهل التحرر من الحرب النفسية، وما نجده اليوم أن الحرب النفسية  لم تتوقف عند حد الحروب والصراعات السياسية، فقد امتدت لتشمل جميع مناحي الحياة ضد الافراد والشعوب.

في وقتنا الحالي أصبح بإمكان أي شخص أن يشن حربًا نفسية على الآخر بدون الاستعانة بتجهيزات علمية ثقيلة، يكفي أن يكون بحوزتك هاتف محمول وشبكة للإنترنت وهنيئًا لك فقد أصبح لديك منبر تشن فيها حربًا نفسية على أي شخص تريده.

 وهذا ما أكده علماء النفس بأن الشبكة العنكبوتية من أسهل الطرق التي يُعتمد عليها في الحرب النفسية وأخطرها تأثيرًا؛ للارتباط النفسي القوي للفرد بالتكنولوجيا.

 لكن في المقابل بإستطاعة الفرد أن يتصدى لهذه الحرب ولا يبقى دائمًا الحلقة الأضعف التي تستقبل الشحنات السالبة وتتأثر بدون أي رد فعل منه، بل بالعكس تمامًا إذا أدرك الفرد أن ما يتعرض له هو حرب نفسية ومجرد بروباغاندا، وأبدى الصلابة النفسية في مواجهتا، فحتمًا ستكون أمر ممكنا هزيمة لهذه الحرب النفسية المشينة.

 فأولًا وقبل كل شيء لا بد من الوعي بأن الحرب النفسية كأي حرب أخرى تستدعي تحضيرًا نفسيًّا، وتفكيرا منطقيا،  وتجهيزًا ماديًّا لمواجهة الأمر بحذر وصرامة مع الأخذ بالتدابير اللازمة تنسيقًا مع القوى الأخرى، وفي مقدمتها الإعلام، الذي من وظائفه تنوير الرأي العام بحقائق تخدم البلاد، كما يقع على عاتقه كشف أهداف وسياسة العدو أمام الرأي المحلي خاصة والعالمي عامة، بوصفه وسيلة من وسائل الدعاية المضادة مع رسم سياسة إعلامية وطنية نزيهة.

 كما أن وجود الثقة بين المواطن والسلطة يساهم في قطع الطريق على محاولات زرع بذور التفرقة بين أبناء البلد، لذلك لا بد من التواصل الحقيقي الهادف مع المواطنين والاستماع إلى مطالبهم وشكاويهم مع الأخذ بآرائهم لتحقيق الوحدة الوطنية المتماسكة تساهم في وضع استراتيجية علمية وتدابير عملية بالاستعانة بعلماء علم النفس والاجتماع لمجابهة ما يخطط له العدو حاليًا ومستقبلًا والتصدي لجميع أنواع أساليب الحرب النفسية.


نماذج من الحرب النفسية عبر التاريخ

استخدم الإمبراطور المغولي جنكيز خان تكتيكات تدخل ضمن الحرب النفسية، ومنها خدعة جعلت أعداد جنوده تبدو أكبر مما كانت عليه في الواقع. حيث أثناء عمليات الزحف الليلية، يأمر كل جندي بإضاءة ثلاث مشاعل لتوهم بوجود جيش جرار وساحق، من أجل خداع وترهيب كشافة العدو. 

كما أنه في بعض الأحيان كانت لديه أشياء معدنية مقيدة بذيول خيوله، بحيث يؤدى جريها في الحقول المفتوحة والجافة في النهار إلى إثارة الضوضاء وسحابة كبيرة من الغبار أعطت للعدو انطباعًا بأعداد كبيرة من الفرسان الشجعان. استخدم جنوده سهامًا محززة خصيصًا للصفير أثناء تحليقها في الهواء، مما تسبب في ضوضاء مرعبة. 

كان هناك تكتيك آخر يفضله المغول وهو رمي رؤوس بشرية مقطوعة فوق أسوار المدينة لتخويف السكان ونشر الدعر في االقرى والمدن المحاصرة من اجل استسلام سكانها وعدم المقاومة. 

أرسل الخليفة المسلم عمر بن الخطاب، في معاركه ضد الإمبراطورية البيزنطية، تعزيزات صغيرة على شكل تيار مستمر تتعاظم مثل كرة الثلج، مما يعطي الانطباع بأن قوة كبيرة ستتراكم في نهاية المطاف إذا لم يتم الإستسلام.

خلال فترة سلالة تشين المبكرة وأواخر سلالة تشو الشرقية في القرن الأول الميلادي في الصين، تم استخدام استراتيجية القلعة الفارغة لخداع العدو للاعتقاد بأن الموقع الفارغ كان كمينًا، من أجل منعهم من مهاجمته باستخدام علم النفس العكسي . واعتمد هذا التكتيك أيضًا على الحظ، إذا اعتقد العدو أن الموقع يمثل تهديدًا غامضا له ويتجنبه.

في القرن السادس قبل الميلاد، نجح الزعيم اليوناني لبرين في مقاومة الملك الليدي ألياتيس من خلال تسمين زوج من البغال وإطلاقهما في المدينة المحاصرة. 

وعندما تم إرسال مبعوث الملك إلى لبرين المحاصر، كان لدى لبرين أكوام من الرمل مغطاة بالقمح لإعطاء الانطباع بوجود موارد وفيرة.

يبدو أن هذه الحيلة كانت معروفة جيدًا في أوروبا في العصور الوسطى: كان المدافعون في القلاع أو البلدات الواقعة تحت الحصار يرمون الطعام من الجدران ليُظهروا للمحاصرين أن المؤن وفيرة. مثال مشهور يحدث في أسطورة القرن الثامن للسيدة كاركاس، التي من المفترض أنها أقنعت الفرانكس بالتخلي عن حصار دام خمس سنوات بهذه الطريقة ومنحت اسمها لكاركاسون نتيجة لذلك.

أثناء الهجوم على مارستراند، قام بيتر توردينسكولد بخداع عسكري ضد السويديين. على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون ملفقًا، إلا أنه نجح على ما يبدو في جعل قوته الصغيرة تبدو أكبر وتغذية معلومات مضللة لخصومه، على غرار عمليتي الثبات وتايتانيك في الحرب العالمية الثانية.

وقد تطورت أساليب الحرب النفسية في بداية القرن العشرين، ويعود تاريخ بداية العمليات النفسية الحديثة في الحرب بشكل عام إلى الحرب العالمية الأولى . بحلول تلك المرحلة ، كانت المجتمعات الغربية متعلمة ومتحضرة بشكل متزايد، وكانت وسائل الإعلام متاحة في شكل صحف وملصقات واسعة الانتشار. كان من الممكن أيضًا نقل الدعاية للعدو عن طريق استخدام المنشورات المحمولة جواً أو من خلال أنظمة إيصال المتفجرات مثل المدفعية المعدلة أو قذائف الهاون .

في بداية الحرب، بدأ المتحاربون، وخاصة البريطانيين والألمان، في أساليب الحرب النفسية من خلال نشر الدعاية المضللة، على الصعيدين المحلي والغربي . كان للبريطانيين مزايا عديدة أتاحت لهم النجاح في معركة الرأي العام العالمي؛ كان لديهم واحد من أكثر أنظمة الأخبار شهرة في العالم، مع خبرة كبيرة في الاتصال الدولي والثقافي، وكانوا يتحكمون في الكثير من أنظمة الكابلات البحرية التي كانت قيد التشغيل في ذلك الوقت. 

تأثر أدولف هتلر بشكل كبير بالتكتيكات النفسية للحرب التي استخدمها البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى ، وعزا هزيمة ألمانيا إلى تأثير هذه الدعاية على الجنود. أصبح ملتزمًا باستخدام الدعاية الجماهيرية للتأثير على عقول السكان الألمان في العقود القادمة. من خلال تسمية حركته "الرايخ الثالث" ، تمكن من إقناع العديد من المدنيين بأن قضيته لم تكن مجرد موضة ، بل كانت طريقة لمستقبلهم. عُيِّن جوزيف جوبلز وزيراً للدعاية عندما وصل هتلر إلى السلطة عام 1933 ، وصوّر هتلر على أنه شخصية مسيانية من أجل خلاص ألمانيا. وقد ربط هتلر هذا أيضًا بالإسقاطات الرنانة لخطبه من أجل التأثير.

أدارت الولايات المتحدة برنامجًا مكثفًا للحرب النفسية خلال حرب فيتنام. كان لبرنامج العنقاء هدف مزدوج يتمثل في اغتيال أفراد جبهة التحرير الوطنية لجنوب فيتنام (NLF) وإرهاب أي متعاطفين محتملين أو مؤيدين. شجع برنامج Chieu Hoi التابع لحكومة جنوب فيتنام على حدوث الانشقاقات في الجبهة الوطنية للتحرير.

في حرب العراق، استخدمت الولايات المتحدة أساليب مكثفة من الحرب النفسية، وقادت حملة الصدمة والرعب للتشويه النفسي وكسر إرادة الجيش العراقي للقتال. 

إستخدمت اسرائيل أساليب الحرب النفسية ضد العرب في حرب 1967  مما ساهم بقوة في انتصارها بسرعة. ولاتزال حتى اليوم تشن حرب نفسية مكثفة ضد إيران.

إنتقلت الحرب النفسية الى الفضاء الإلكتروني والانترنت، وأتاحت وسائل التواصل الاجتماعي استخدام المعلومات المضللة على نطاق واسع. ومثال على ذلك وجد المحللون أدلة على صور مضللة أو مزيفة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عن الحرب الأهلية السورية.

أقوال عن الحرب النفسية

"لا تدع الحرب النفسية من حملة إعلانية تعمي عن حقيقة جمالك وإمكانية تحقيق هدفك في الحياة".
- ستيف مارابولي، أنت بلا اعتذار: تأملات في الحياة والتجربة الإنسانية

"نحن في حالة حرب نفسية دائمة، والعدو يعلم أن العقل الباطن يمتص كل شيء ويترجمه الى مواقف وأفعال".
- واين جيرارد تروتمان

"هدف الحرب النفسية ليس هو القضاء علينا. أعتقد أن الهدف هو أن نفقد حريتنا وجعلنا نشعر باليأس والفشل والإنهزام .. لنرفض إنسانيتنا، أن نرى أنفسنا في نهاية المطاف بلا كرامة ولا نستحق الحياة الكريمة بالتالي يتم إستغلانا مثل العبيد ".
- وليام بيتر بلاتي 

منذ عام 1945 لم تكن هناك حرب عالمية ثالثة. إن تطوير أسلحة نووية قد يمنع وقوع مثل هذه الكارثة. في الحربين العالميتين، كانت الكلمات واحدة من مجموعة متنوعة من الأسلحة في مستودع أسلحة القوى المتحاربة. في المستقبل، وبسبب ظهور الأسلحة النووية، قد تكون  الحرب النفسية وحرب الكلمات هي الأسلحة الوحيدة التي يمكن للقوى العظمى أن تستخدمها دون المخاطرة بالفناء ".
- تشارلز روتير، فن الحرب النفسية، 1914-1945.
"من خلال تعزيز أسطورة القدرة المطلقة للديكتاتور،  فإن مثل هذه الاعترافات تضعف إرادة الإنسان لمقاومته. إذا كان من الممكن استخدام فترة من السلام لتخفيف عدو مستقبلي ، فقد تكون الجيوش الشمولية قادرة في وقت الحرب على تحقيق نصر رخيص وسهل. الحرب النفسية الشمولية موجهة إلى حد كبير نحو هذه الغاية. إنه جهد للدعاية وتنويم العالم للخضوع ".
- جوست إيه إم ميرلو ، اغتصاب العقل: سيكولوجية التحكم في الفكر ، والقتل العقلي ، وغسل الدماغ.
كانت مدفعية هتلر النفسية تتكون أساسًا من سلاح الخوف. كان لديه، على سبيل المثال، شبكة من كتاب العمود الخامس كانت وظيفته الرئيسية هي بث الشائعات والشكوك بين مواطني البلدان التي خطط في النهاية لمحاربة ضدها ... [مثال على هذه الشائعات / الشعار كان:] "لماذا هل يجب أن تموت فرنسا من أجل إنجلترا؟ " بدأ الخوف يوجه تصرفات الناس. بدلاً من مواجهة التهديد الحقيقي للغزو الألماني، بدلاً من الاستعداد لذلك، ارتجفت أوروبا بأكملها من قصص التجسس، وناقشت مشاكل غير ذات صلة، وجادلت إلى ما لا نهاية حول أكباش الفداء والأقليات".
- جوست إيه إم ميرلو، اغتصاب العقل: سيكولوجية التحكم في الفكر ، والقتل العقلي ، وغسل الدماغ.

"آلآرتشون The Archons" أي الغنوصيون، يستخدمون تقنيات" التحكم بالعقل ". يُعرف هذا باسم الحرب النفسية ، لكن التلاعب الأركوني يفوق بكثير أي شيء اخترعته الولايات المتحدة أو روسيا أو مدينة الفاتيكان أو إسرائيل أو المملكة المتحدة حتى الآن. إن مؤسسي الغنوصية هم أفضل غسيلي أدمغة. يحافظ الغنوصيون على تشتيت انتباه الناس. يقومون بذلك حتى لا يكون لدى البشرية الوقت أو الفرصة لمراقبة ما يحدث بالفعل في العالم. الإنسانية تحت الحصار. يريدك الغنوصيون أن تكون غير متعلم وغير مطلع قدر الإمكان. إنهم يدمرون شغفك بالتعلم، ويتسللون ويخربون النظام التعليمي الحقيقي. في النهاية، يريدون تدمير كل ما يجعلك إنسانًا حقيقيا، وآمالك، وأحلامك، وأفراحك، خاصة أنهم يريدون تدمير روحانيتك".
- لورانس جاليان ، الطفيليات الغريبة: 40 حقيقة معرفية لهزيمة غزو أرشون!