المعنى الحقيقي للشخص المثقف


- 19:55
ليس كل من تخرج من الجامعة يعتبر مثقفًا، وليس كل من  كسب معارف ومعلومات كثيرة يعتبر مثقفا، وليس كل من تعلم وقرأ الكثير من الكتب مثقفا. إنما المثقف الحقيقي هو كل من له تفكير علمي نقدي  يكشف به عن المسلمات والبديهيات الزائفة  السائدة في المجتمع، ويطرح الحلول الممكنة ويقارب مسائل وقضايا مجتمعه باعتماد العقل والمنطق بعيدا عن  التحيز والعواطف وقيود السائد. ويكون دو نصيب واسع من المعارف والعلوم  المرتبطة بالمجال الذي يقاربه، وتكون غاية أفكاره الإصلاح والتصحيح  والتطور والمنفعة العامة للمجتمع،  ويتقبل  النقد والأفكار والآراء المخالفة بصدر رحب دون تشنج.  وبذلك هو يختلف اختلافا كبيرا عن اشباه المثقفين من المتعلمين وأصحاب الشهادات المؤدلجين الذين يتعصبون ويتحيزون لأفكار معينة و لإيديولوجية معينة بغض النظر عن  ضررها حيث تكون غاية جدالاتهم هي الانتصار لتلك الأفكار والدفاع عنها وليس الإصلاح  والتطوّر.
الفرق بين الانسان المثقف والانسان المتعلم 
هناك فرق شاسع بين الانسان المثقف وبين الانسان المتعلم .. يقول عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي في هذا الصدد: "ينبغي ان نميز بين المتعلم والمثقف، فالمتعلم هو من تعلم أمورا لم تخرج عن نطاق الاطار الفكري الذي اعتاد
عليه منذ الصغر. فهو لم يزد من العلم إلا ما زاد في تعصبه وضيّق من مجال نظره. هو قد آمن برأي من الآراء او مذهب من المذاهب فاخد يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رايه وتحرضه على الكفاح في سبيله . اما المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقي كل فكرة جديدة وللتأمل فيها ولتملي وجه الصواب فيها
."
كيف يمكن تمييز المثقف عن المتعلم صاحب الشهادات 
يضيف الدكتور علي الوردي: "ومما يؤسف له أن المثقفين بيننا قليلون والمتعلمين كثيرون . ومتعلمونا قد بلغ غرورهم بما تعلموه مبلغا لا يحسدون عليه . وهذا هو السبب الذي جعل احدهم لا يتحمل رأيا مخالفا لرأيه . يقال إن مقياس الذي نقيس به ثقافة شخص ما هو مبلغ ما يتحمل هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه، فالمثقف الحقيقي يكاد لا يطمئن الى صحة رأيه، ذلك لان المعيار الذي يزن به صحة الآراء غير ثابت لديه، فهو يتغير من وقت لآخر. وكثيرا ما وجد نفسه مقتنعا برأي معين في يوم من الأيام ثم لا يكاد يمضي عليه الزمن حتى تضعف قناعته بذلك الرأي . . وقد تنقلب ضده أحيانا انقلابا شنيعا."

المثقف الحقيقي يتصف بشجاعة فكرية ويقتحم التابوهات، ولا يتلقى ما يسمع ويقرأه كالإسفنجة، ولا يستظهر كل  ما قرأه كالببغاء، ولا يعتمد الأفكار الجاهزة مثل العوام وجل المتعلمين. بل يعتمد التمحيص والبحث والتحري،  ويراعي  الموضوعية والنزاهة حين التعبير عن رايه  بعيدا عن التعصب والتحيز. وحين يقرأ فهو يقرأ قراءة الناقد لا قراءة الشارب المتلقي الاعمى. فالمثقف الحقيقي حين يقرأ لا يلغي عقله ويتشرب أفكار المؤلف مثل الاسفنجة دون تمحيص. بل يقرأ  قراءة تمحيص ونقد ولا يثق بدون حجج ولا يصدق كي شيء بسهولة  ولا يقع ضحية الأدلجة والتغييب.
غالبية المثقفين الحقيقين منبوذين في مجتمعاتهم
المثقف الحقيقي في الغالب يكون في البداية  منبوذا في مجتمعه بسبب أفكاره غير المألوفة وغير المتحيزة لمسلمات المجتمع  وبديهياته السائدة الزائفة،  وهذا لا يعني ان المثقف  ليس له مؤيدين بل يكون له مؤيدين لكنهم قلة في البداية.

فالمثقف الحقيقي لا يفكر مثل العوام والمتعلمين، بل يفكر بتحرر اكثر من قيود الأفكار المألوفة السائدة في المجتمع ويكسر كل الأطر والمسلمات الخاطئة (إن دعت لذلك ضرورة) ولا  لرأي الاخرين. بل قد يطرح أفكارًا جديدة تكون غريبة ومجنونة في نظر العوام لكنه يرى صوابها وفائدتها للمجتمع.