يأتي الكتاب الذي نعرض له ” استقلال المرأة في الإسلام ” ليضاف إلى قائمة المحاولات المخلصة والشجاعة لتبيان الوجه الحقيقي والمشرق للإسلام في واحدة من أهم القضايا .. ويبرز مؤلفه ” الغزالي حرب ” كواحد من الكتاب الاسلاميين المؤمنين بعظمة الإسلام، والمقدرين لقيمة الإنسان والعقل البشري.
” باسم الله جل جلاله ثم باسم التطور تجلى جماله ”.
هكذا يستفتح الغزالي حرب مؤلفه، محدداً منطلقاته الفكرية دون مورابة أو خشية، ثم ينقل عن قاسم أمين احدى عباراته، كأنه يشير – بوعي تام – إلى كونه امتداداً لتلك المحاولات العديدة والعنيدة للانتصار للمرأة، انتصار للإسلام الحق الذي يرى في المرأة نداً للرجل وشريكاً له في رحلة الحياة.
قراءة في كتاب استقلال المرأة في الإسلام
كتاب: استقلال المرأة في الإسلام |
يجنح المؤلف في كتابه استقلال المرأة في الإسلام إلى اشراك القارئ فيما يعرض له، فنراه يستحضر المتلقي ويخاطبه مباشرةً فينكسر الجمود .. وينجح في إقامة آصرة حميمة بينه وبين قارئه منذ الأسطر الأولى، إذ يهدي كتابه إلى زوجه وبناته، فيستشعر القارئ – على الفور – أن الكاتب ليس غريباً عن “قضية المرأة” التي يتناولها بالبحث، وأن الخبرة الواقعية ماثلة فيما يبسطه من آراء.
استكناه وجه الحقيقة في قضية المرأة، ذلك هم الغزالي حرب. مرجعه الأول هو القرآن الكريم، لا كتب الفقه والآثار، ووسيلته هي البحث الموضوعي لا “خطب المنابر وسيوفها الخشبية وتهاويلها الوعظية” ، بعيداً عن كل ما نسبه المتزمتون للإسلام الخالص الأصيل. ء
بل أنه في حميته واعتداده بصواب موقفه، لا يتحرج من مهاجمة بعض ذوي الأسماء الطنانة في تراثنا القديم والحديث، كأبي حامد الغزالي وعباس محمود العقاد ذوي النظرة المتخلفة تجاه المرأة.
فلقد أفرد للرد على كتاب ” المرأة في القرآن ” للعقاد صفحات عدة لدحض ما جاء به من دعاوي تحط من شأن المرأة، إذ عقب عليه فصلاً فصلاً بإسهاب، الأمر الذي يؤخذ عليه، لأنه مر على صدور كتاب العقاد سنوات طوال، وقل إلى حد كبير تداوله وندرت الإشارة إليه، في حين أنه ظهر في السنوات الأخيرة ركام من الكتب التي تحوي من المغالطات أضعاف ما وقع فيه العقاد تستأهل – بحق – عناء الصد والرد.
مكانة المرأة في الإسلام
إن تعالي الرجل على المرأة باسم الإسلام لهو أعجوبة الأعاجيب، والغزالي حرب في دفاعه عن المرأة يمضي في تفنيد مزاعم المبخسين لشأنها، فيؤكد أن القول بأسبقية خلق آدم لخلق حواء هو من الاسرائيليات التي لا يسندها دليل واحد صحيح، بل إنه – استناداً إلى نص القرآن الكريم – ينفي عن حواء تهمة غواية آدم والتسبب في اخراجه من الجنة.
ويذهب المؤلف عند تعرضه لمسألة تعدد الزوجات إلى أن من مرونة الفقه الإسلامي وواقعيته المستنيرة، أنه اعتبر تعدد الزوجات خاضعاً للظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي تحيط بالفرد والأسرة والمجتمع، واعتبره تارة مباحاً، وتارة مكروهاً، وتارة حراماً.
كما يرى في الحجاب صورة من صور النظرة المتخلفة للمرأة، و ينفي الصلة بين الدين والحجاب .. و يسخر سخرية مريرة من الأزهريين المتزمتين، رغم أزهريته، بل ربما شجعه ذلك عليها، ويأخذ عليهم استبسالهم وشجاعتهم البالغة في مواجهة المرأة ضد ” الفتنة المزعومة ” دون أن يجترئوا على الوقوف ضد الظلم.
حقوق المرأة في الإسلام
يؤكد مؤلف كتاب استقلال المرأة في الإسلام، أن الإسلام الأصيل يعطي المرأة الحق في العمل، والحق في تولي المناصب العامة .. وليست الدعوة للفصل بين الجنسين سوى نتاج خيال مريض، ولا تؤدي في النهاية سوى إلى ايجاد مجتمعات أشبه بالسجون والمستشفيات والقبور !
إنه الكتاب الوحيد – فيما نعلم – الذي صدر للمربي الجليل الغزالي حرب – رحمه الله – برغم معاناته الكتابة لأكثر من ثلاثين عاماً .. كتاب يستحق الإشادة به و بصاحبه الذي أكد مراراً عبر صفحات كتابه على أن التطور هو سنة الحياة، وأنه لمستحيل عودة عقارب الساعة إلى الوراء.