مراجعة وتلخيص كتاب: العالم الثالث وتحديات البقاء


- 23:52
في سلسلة ” عالم المعرفة ” التي تصدر شهرياً عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، صدر العدد رقم 104 في آب ( أغسطس ) 1986 ، تحت عنوان ” العالم الثالث وتحديات البقاء ” لمؤلفه الاقتصادي الفرنسي جاك لوب. وقام على نقله إلى العربية المترجم و الباحث أحمد فؤاد بلبع. وفي ما يلي مراجعة وتلخيص هذا الكتاب:

مراجعة وتلخيص كتاب: العالم الثالث وتحديات البقاء

مراجعة وتلخيص كتاب: العالم الثالث وتحديات البقاء
غلاف كتاب: العالم الثالث وتحديات البقاء


على الرغم من مرور أكثر من ربع قرن على صدور كتاب العالم الثالث وتحديات البقاء، إلا أنه في ظني لم يفقد أهميته. والكتاب – بوجه عام – مصاغ بروح الانتماء للغرب ” المتقدم ” بالرغم من حياديته الظاهرة. ولقد اعتمد المؤلف في كتابه على مجموعة من الدراسات والبحوث والإحصاءات الصادرة عن مراكز بحثية دولية، ولعدد من كبار المختصين العالميين.

والكتاب إضافة لمقدمة وخاتمة موجزتين، مقسم إلى ثلاثة أبواب تنطوي على اثني عشر فصلاً، حاول المؤلف خلالها إعطاء صورة موجزة لثمار التنمية عبر ثلاثة عقود ماضية في العالم الثالث، عارضاً لبعض المشكلات الرئيسية التي ستواجه البلدان النامية في العقود القادمة، وأخيراً مقترحاً عدة عناصر استراتيجية للتنمية في بلدان العالم الثالث. إقرا ايضا: ملخص كتاب العزيمة .. قوة الشغف والمثابرة للمؤلفة أنجيلا داكوورث.

كتاب العالم الثالث وتحديات البقاء: ثلاثة عقود من التنمية

كانت الأعوام الثلاثون التالية لمنتصف القرن العشرين تتميز بتغيرات شديدة الأهمية في الميادين الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية ببلدان العالم الثالث.

ففي خلال تلك الفترة تضاعف تقريباً سكان البلدان النامية، إذ ارتفع عددهم من بليون نسمة في عام 1950 إلى أكثر من بليونين في عام 1980، ويرجع ذلك – أساساً – إلى الانخفاض السريع وغير المتوقع في معدل الوفيات. وقد ترتب على ذلك انفجار شديد الحدّة في معدل التوسع الحضري. حيث كان سكان الحضر في هذه البلدان حوالي 250 مليوناً، فوصل إلى قرابة 800 مليون.

وكان النمو السكاني في بلدان العالم الثالث – منذ الحرب العالمية الثانية – يتميز بالسرعة، بقدر ما كان أيضاً غير متوقع ، فمن بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه كان متوسط المعدل السنوي للنمو قرابة 1ر2% بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان، وحوالي 8ر% لناتجها المحلي الإجمالي للفرد، في حين كان الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1950 و1980 يزداد بمعدل سنوي يقرب من 3ر5% والناتج المحلي الإجمالي للفرد بحوالي 0ر3%. ويعزز المؤلف تحليله للنمو في تلك العقود بتتبع تطور القطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلدان النامية: الزراعة والصناعة والتجارة .. ويتوصل إلى أنه حدثت بالفعل انجازات كبيرة، لكن توجد إلى جانبها أوجه ضعف وقصور تثير الفزع.

وتميزت السبعينات من القرن الماضي بالنسبة لبلدان العالم الثالث بانتفاضات لها دلالتها، فيذكر المؤلف – على سبيل المثال – أن مشكلة لم تكن تمثل مشكلة كبرى ، وكانت البيئة الدولية تبدو مواتية، وآفاق النمو في البلدان المتقدمة – وهي آفاق ذات أهمية حيوية للعالم الثالث – تبدو خالية من أي مشكلات جدية. ولم يكن أوج الثورة الزراعية الخضراء قد انقضى بعد.
كل ذلك تغير كثيراً، ففي هذه المجالات جميعاً أصبح الوضع في الثمانينات أكثر مدعاة للانزعاج .. ففي ميدان التنمية واجهت عادات ومعتقدات كثيرة راسخة تحديات خطيرة، كما أن التفاؤل الذي ساد في الستينات أفسح الطريق للقلق، بل وللتشاؤم فيما يتعلق بالمستقبل، ووجه الطعن إلى الأهداف النهائية للنمو و إلى النظام الاقتصادي القائم، الأمر الذي أدي إلى ازدياد محاولات البحث عن استراتيجيات جديدة للتنمية، وعن نظام اقتصادي دولي جديد.

كتاب العالم الثالث وتحديات البقاء: نحو استراتيجية جديدة

مهما تكن النجاحات التي حققتها عقود ثلاثة من النمو الاقتصادي في العالم الثالث، فإن مؤلف الكتاب الذي نعرض له ينضم إلى حشد الاقتصاديين الذين يرون أن نماذج التنمية التي اُتبعت قد أخفقت في القضاء على الجوع والفقر والجهل.
وبالرغم من أن المؤلف يقدم مجموعة من المقترحات حول التنمية في العالم الثالث يأبى أن يسبغ عليها وصف استراتيجية بديلة، فإنه يعلن تأييده للاستراتيجية التي تستهدف اشباع احتياجات السكان الأساسية.

المقترحات التي يقدمها امؤلف الكتاب تتمحور حول النقاط التالية:


  • 1) تكثيف السياسات السكانية للتعجيل بالانخفاض في معدلي الخصوبة والمواليد.
  • 2) تنفيذ السياسات الرامية إلى تنمية موارد الطاقة المحلية، سواء كانت تجارية أم تقليدية.
  • 3) زيادة التركيز على الزراعة وإنتاج الأغذية، ففي جميع البلدان المتقدمة كانت التنمية المسبقة للقطاع الزراعي عاملاً حاسماً في بداية عملية التصنيع.

ويفترض مؤلف كتاب العالم الثالث وتحديات البقاء، أن العلاقات نفسها التي تفسر كيف تمكنت البلدان المتقدمة، بفضل زيادة سابقة في الإنتاجية الزراعية، من أن تبدأ التصنيع فيها، تفسر أيضاً – وإن يكن بطريقة عكسية – كيف كانت الإنتاجية الزراعية المنخفضة في كثير من البلدان النامية عائقاً لجهود التصنيع فيها.

كما أن المشكلات الغذائية المتوقعة في العقود القادمة – حسبما يقول المؤلف – تبرر الاهتمام المضاعف بالزراعة، ولا سيما بإنتاج الأغذية. فيجب أن تُعطى الأولوية العليا للقطاع الزراعي، المصدر الرئيسي لدخل غالبية السكان الفقراء، بغير التفات إلى فكرة أن إنتاجية الزراعة أدنى من إنتاجية القطاعات الأخرى، حيث أنها فكرة غير صحيحة على إطلاقها.

4) اتخاذ إجراءات مباشرة لتحسين القدرة الإنتاجية لأفقر السكان، إذ بينت الخبرة أن النمو الاقتصادي لم يكن كافياً لتخفيف وطأة الفقر. ولما كانت غالبية الفقراء تعيش في المناطق الريفية، وتكسب عيشها من الزراعة، فإن إعادة توجيه استراتيجيات التنمية لصالح هذا القطاع يمكن أن تؤدي إلى تحسين أحوال الفقراء المعيشية .. ويعد الإصلاح الزراعي في كثير من بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية الشرط المسبق لتحسين دخول السكان الفقراء وأحوالهم المعيشية، ومع ذلك فإنه لن يكون كافياً ما لم يقترن بتدابير لتنظيم المستفيدين ومساعدتهم. ففي كثير من البلدان، حالت مجموعة من الأسباب الاجتماعية والإدارية والسياسية دون استفادة صغار المزارعين، بقدر ما يستفيد غيرهم من برامج الإرشاد الزراعي والائتمان.

5) مقاومة الإغراء الانعزالي، والاستفادة من إمكانات التجارة الخارجية. وهي مسألة يهتم بها المؤلف اهتماماً كبيراً عبر كتابه. فبالرغم من الانتقادات التي وجهت إلى نظرية ريكاردو القائلة بأن المشاركة في التجارة الدولية تؤدي إلى التعجيل بالنمو الاقتصادي، فإنها تحظى بتأييد المؤلف. إذ يذهب إلى أن الاستراتيجية الإنمائية المستندة إلى الاعتماد على الذات، على المستوي الاقليمي، لن توفر حلاً لمشكلات العالم الثالث. ويهاجم فكرة أن العلاقات الاقتصادية الدولية إنما تعمل لصالح البلدان الغنية و ضد مصالح البلدان الفقيرة.