في شكل يقترب كثيراً من السيرة الذاتية ، قدمت لنا الكاتبة الأمريكية ” إيدا لوشان ” كتابها الذي نعرض له ، حيث صاغت فيه تجربتها الشخصية وما استطلعته من خبرات معرفية حول مرحلة منتصف العمر، وبدأت الكتابة فيه وهي في سن الثامنة وأربعين، وانتهت منه وهي في الخمسين.
في تقديمه للكتاب الذي ترجمته للعربية سهير صبري، أشار الدكتور يحيى الرخاوي إلى أن “منتصف العمر” مرحلة مظلومة من حيث الإنتباه إليها في حين أنها جديرة بالدراسة والتعرف والإنارة، ذلك أنه يتم النظر إليها باعتبارها مرحلة الاكتمال والفتوة والنضج بما لاتحتاج معه إلى نصح أو إرشاد أو توجيه.
وبالرغم مما في ذلك من بعض الحقيقة إلا أنها ليست كل الحقيقة لأن في هذه المرحلة قدراً كبيراً الإنشغال ونسيان الذات والقهر الروتيني والمكاسب الزائفة.
مراجعة كتاب: أزمة منتصف العمر الرائعة
مرحلة منتصف العمر ليست قصيرة، إذ تمتد من سن العشرين إلى سن الستين، وتنقسم إلى منتصف العمر الباكر ( 20 – 40 ) ومنتصف العمر المتأخر ( 40 – 60 )، والكتاب يُعنى بالمرحلة الأخيرة.
ما وجه الروعة في كتاب أزمة منتصف العمر ؟
تحكي المؤلفة أنها بدأت في هذا الكتاب وهي في الثامنة والأربعين من العمر، حيث لا يمكنها احتساء القهوة بعد الثالثة عصراً إذا كانت تريد النوم في الليل، وإذا تناولت ساندوتش من البسطرمة في العشاء شعرت بتعب في الكبد عند الفجر، إلى جانب بداية ترهل خطوط الذقن، والشعر الأبيض الذييظهر قبل كل صبغة، ناهيك عن صوت المفاصل عند الاستيقاظ من النوم .. ومع ذلك تصرّ على وصف منتصف العمر بأنه روعة !
تقول المؤلفة :”نشرت أول كتاب لي وأنا في الثالثة والأربعين، وهذا هو كتابي السابع، وبدأت أظهر بانتظام في برنامج تليفزيوني عندما بلغت السادسة والأربعين، و في الثامنة والأربعين أصبح لي برنامج تليفزيوني .. وفي السنوات الخمس الأخيرة صار حبي لابنتي أعمق مما كان عليه، وأصبحت أرى في دور الزوجة أبعاداً أكثر ايجابية عن ذي قبل، ومنذ أن بلغت الأربعين عرفت عن نفسي وعما أريده فى الحياة أكثر مما عرفت في عمري السابق كله.
لقد أدركت أن ما أمر به ماهو إلا مزيد من النمو، مزيد من الوعي، مزيد من اكتشاف معنى أن تكون إنساناً، وتلك هي روعة أزمة منتصف العمر. “تبرر الكاتبة ذلك بقولها : نشرت أول كتاب لي وأنا في الثالثة والأربعين، وهذا هو كتابي السابع، وبدأت أظهر بانتظام في برنامج تليفزيوني عندما بلغت السادسة والأربعين، و في الثامنة والأربعين أصبح لي برنامج تليفزيوني ..
وفي السنوات الخمس الأخيرة صار حبي لابنتي أعمق مما كان عليه، وأصبحت أرى في دور الزوجة أبعاداً أكثر ايجابية عن ذي قبل، ومنذ أن بلغت الأربعين عرفت عن نفسي وعما أريده فى الحياة أكثر مما عرفت في عمري السابق كله. لقد أدركت أن ما أمر به ماهو إلا مزيد من النمو، مزيد من الوعي، مزيد من اكتشاف معنى أن تكون إنساناً، وتلك هي روعة أزمة منتصف العمر.
احدى صديقات الكاتبة قامت بجولة في السوق مع ابنتها التي تبلغ السادسة عشر، وكانت الابنة ترتدي حذاءً جديداً يؤلم قدميها وترفض استبداله بحذاء قديم مريح كان بالمصادفة معها خشية رأي الآخرين فيها. هذه القصة تلخص الفرق بين فترة النمو الأولى (المراهقة) والفترة الثانية التي تأتي في منتصف العمر، و قد وصف عالم النفس كارل يونج هذه الفترة بأنها المرحلة التي يبتعد فيها البعض عن الاهتمام برأي الآخرين فيهم، ويكون اهتمامم منصباً على نمو الذات أو حُسن تقديرهم لأنفسهم.
النمو والتعلم المستمر
من الخطأ الاعتقاد بأن النمو الحقيقي يحدث فقط أثناء الطفولة، فالنمو والتعلم والتغير ليست امتيازات للطفولة فقط، بل إن ما يحدث لنا بعد سن الواحد والعشرين لا يقل أهمية وخطورة عما حدث لنا قبل هذه السن.
إن التحليل النفسي بسبره أغوار ” سنوات التكوين ” قد أدى إلى تشويه رؤيتنا وقادنا إلى الطريق السهل من الاعتقاد بالجبرية المطلقة. فالكثير منا وقد نشأ في ظل الثورة التي حدثت في علم النفس في النصف الثاني من القرن العشرين، يصل إلى الخلاصة الخرقاء من أن معظم توجهاتنا وقيمنا الأساسية تعود بجذورها إلى خبرات الطفولة، فإننا نتوقف عن القيام باختيارات حقيقية ذات معنى ونحن كبار.
وهذا بعيد تماما عن الحقيقة، فمنتصف العمر هو الفترة التي يمكن للمرء فيها أن يكون ذاته بكل العمق والصدق، ففي هذه المرحلة من الحياة نكون قد أصبحنا في غير حاجة أو رغبة في الاعتماد على الآخرين، وأصبحنا أكثر استقلالية عن أي وقت مضى، وأصبح بوسعنا أن نكتشف طبيعتنا، و نؤكد تفردنا.
إن روعة الفرصة التي يمنحها لنا منتصف العمر هي أنها الفرصة الأولى والأخيرة التي نستطيع فيها – بالحكمة والنضج وخبرة السنين – أن نكتشف أننا لن نتمكن من إسعاد أي شخص إلا إذا تعلمنا كيف نسعد أنفسنا.
في منتصف العمر – هكذا يمضي الكتاب – نواجه بالحقيقة الأليمة، حقيقة أننا غير خالدين، وهي حقيقة لا نصدقها ولا نحتملها. فمن هم دون الخامسة والثلاثين أو الأربعين يعتقدون أن الحياة أمامهم ” إلى الأبد “.
وفجأة تواجهنا تلك الحقيقة : أصبحنا في الأربعين أو الخامسة والأربعين، لنبدأ الحساب : من نكون ؟ ماذا فعلنا بحياتنا ؟ و نعي بكل الألم حقيقة أننا غير خالدين، وأن الحياة لم تعد بلا حدود.
كانت هناك امرأة تعاني من مرض السرطان في مرحلة متأخرة تبكي بصمت عندما دخل الطبيب غرفتها بالمستشفى، فحاول أن يهدئ من روعها، لكنها قاطعته قائلة : ” أنا لا أبكي لأني سأموت، بل أبكي لأني لم أعش “. ويبدو أن السبيل الوحيد لتخفيف قلقنا بشأن الكبر والخوف من الموت هو أن يشعر المرء أنه قد فعل أفضل ما كان ممكنا له أن يفعله.
غربة منتصف العمر
ترى إيدا لوشان أن من الانصاف القول أن منتصف العمر فترة عصيبة حقاً، فإن نشهد خلال عمرنا المحدود تغيرات تفوق ما حدث خلال الخمسمائة عام الأخيرة لشيء يفوق الاحتمال، فنحن لسنا في منتصف العمر فحسب بل نحن أيضاً حائرون بين ماضينا وحاضرنا. نشعر بأننا نحاول البقاء في عالم لم نعد نفهمه، نحس فيه بالغربة والاضطراب كما لو كنا قد هبطنا إلى كوكب المريخ. إقرأ ايضا: ملخص كتاب العزيمة .. قوة الشغف والمثابرة للمؤلفة أنجيلا داكوورث.