نظرتي الخاصة للحياة وكيف يجب أن تعاش


- 06:23
بداية ألفت انتباه قراء المدونة الكرام الى أن هذه التدوينة أتت استجابة لدعوة  التدوين الجماعي، وهي فكرة رائعة اقترحها أحد أعضاء مجتمع "حسوب I/O" مشكورا،  وهو الأخ hd ahmed ، والتي لاقت استحسان جل أعضاء المجتمع النشطين لحظة طرحها.

 وبعد نقاش أعضاء المجتمع للاختيار موضوع معين للتدوين الجماعي حوله، وقع اختيار أغبية الأعضاء المصوتين حول موضوع : الحياة من منظورنا الشخصي. وكان هذا الموضوع من اقتراح الأخ : MR_HIDE . فأتت هذه التدوينة للمشاركة وهي بعنوان:  نظرتي الخاصة للحياة وكيف يجب أن تعاش.

نظرتي الخاصة للحياة وكيف يجب أن تعاش


 أحب في البداية التذكير بأن تناولي لهذا الموضوع  هو من منظوري الشخصي الخاص، وليس من منظور علمي أو فلسفي أو ديني، وذلك تقيّدا بالشرط الموضوع ، بالتالي لن أتطرق لمغزى الحياة أو الغاية من وجودنا فيها مثلا، لان هذا الجانب ليس موضوعنا، فضلا عن كون هذا الجانب تطرق له الكثير من المفكرين ورجال الدين عبر التاريخ.

كلما تأملت الحياة بعمق، أرى الغالبية العظمى من الناس، إن لم أقل البشرية برمتها، تعيش اليوم هذه الحياة بخلاف نظرتي الخاصة لها، بحيث أراها تعيش الحياة  بشكل خاطئ وشاذ بدون وعي، وكأنها تعيش داخل كهف غارقة في الأوهام وبعيدة عن جوهر الحياة، لكن ربما أكون أنا مجنونا وتكون البشرية على صواب، أو أكون على صواب وتكون البشرية مجنونة، من يدري . لكن الحكم للقارئ، ولا اقصد بالجنون المعنى الحرفي للكلمة.

 أرى الحياة بسيطة ولا تتطلب كل هذا التعقيد الذي يمارسه الانسان اليوم. بحيث أصبح الانسان مثل آلة يجري وراء رغبات وأوهام وأشياء لا حصر ولا ضرورة لها، ويجهد نفسه كي يعيش الحياة بالطريقة التي يتوقع أن تعجب الاخرين وليس كما هي في الحقيقة، وهذا ما يوّلد التوتر المستمر والشقاء. قد تكون حياة الناس مليئة بالأنشطة اليومية ويزاولون أعمالاً مختلفة، أو يصبحون متعلمين أو أغنياء، لكن دون الوصول إلى درجة من الوعي يدركون فيها بأنهم  يبددون حياتهم  في شقاء هباءً.

أرى حياة الكثير من الناس اليوم أصبحت خالية من السعادة الطبيعية ومن المحبة الحقيقية، إنهم لا يشعرون بأيّ متعة، فقط يقومون بوظائفهم وأعمالهم الروتينية. الناس باتت مثل دمى متحركة  ولا تشعر بالمتعة الحقيقية للحياة والوجود. الناس أصبحت مثل آلات تركض هنا وهناك. والسبب الرئيسي، سبب الأسباب كلها، هو الانا البشرية وانعدام التأمل العقلي السليم وطغيان هوس المال والسلطة وحب العظمة الذي دمر كل قيمة جميلة في الحياة وكرّس شقاء البشرية وأنتج الحروب والدمار.

والحقيقة أن وجودنا في هذه الحياة وفي هذا الكون الشاسع والغامض، هو شيء  معجز، لكنه وجود عابر ولحظي، ومع أن  وجودنا عابر لكنه يخدعنا و يعطينا الانطباع أنه دائم، بينما في الحقيقة كل شيء هو مثل فقاعة صابون  في أي لحظة يمكن أن يختفي للأبد. 

والنضج يأتي فقط عندما نعي هذا ونجسده في سلوكنا اليومي، وهنا يجب التحلي بالشجاعة الحقيقية للبحث عن الطريقة الصحيحة لعيش هذه الحياة الرائعة التي لن تتكرر وشرب عصارتها كاملة حتى آخر لحظة ... لا بالتعلق بعادات وأفكار الماضي الميت أو الغوص في وهم المستقبل بل أن نعيش في الحاضر.

الغالبية العظمى من الناس اليوم تعيش مكبلة بعادات موروثة، تعيش ضحية تشفير المجتمع، تعيش سجينة قوقعة المألوف، وأسيرة فكرة الأنا الزائفة، والجدية الصارمة، وتجري وراء عظمة وهمية، وهذه أسوأ طريقة لعيش الحياة، لا نها المصدر الرئيسي للشقاء.

أُخرج من هذه القوقعة، قوقعة المألوف، وتحرر من سجنك النفسي ومن القيود الموروثة ومن وهم الأنا الزائفة ومن عقلية الحشد ومن كل ما يجبرك على التعامل السلبي مع الحياة، وأنظر للحياة وبوعي جديد وبضمير فطري حي، وبنظرة خالية من الأفكار والاحكام المسبقة، وبدون أنا زائفة، وكن كأنك للتو وُلدت من جديد، أنظر للأشجار والنجوم والازهار بنظرة جديدة وعش الحياة بوعي جديد ومرح طفولي... وستجد حياتك  بأسرها أصبحت تحمل سمة الصداقة، سمة المحبة والغبطة الهائلة، وستكون حينها ودودا نحو الجميع. 

الحياة ثمينة وفرصة لن تتكرر ويجب أن تعاش بصفاء ومرح وبمحبة وانسجام مع الطبيعة. توقف عن كونك مجرد دمية أو آلة ومقلد وتابع وخاضع للغير دون وعي، وأنطلق في درب حياتك بوعي جديد وبمرح وتسامح وعفوية وتلقائية تامة دون أقنعة ودون أنا زائفة وعش كل لحظة من حياتك كما هي باستمتاع و نَهم، بتلك الطريقة تصبح الحياة جميلة وممتعة.

لا تهتم لآراء الاخرين فيك أبدا ولا تخشى ما سيقوله الناس عنك أبدا، فأعظم عبودية في العالم هي خوفك من آراء الآخرين، وعندما لا تخشى أراء الناس ستكون حينها  حرًا حقيقيا. فمن الجنون أن تمضي ساعات أو أيام  وليالي أو أشهر وسنوات من حياتك وأنت في توتر وحنق وغضب، خوفا من كلام الناس! أو تهدر حياتك في احتراق تافه، فقط لأنك لا تملك شيئا، أو أن أحدهم صدر منه شيء اعتبرته أنت إهانة في حقك!

جرّب أن تعود بذاكرتك الى الوراء وستجد بعض الاحداث المماثلة عندما كنت طفلا صغيرا مثلا وكم أمضيت حزينا لعدم امتلاكك لعبة معينة، والان أدركت مدى تفاهتها. أو ربما عاملك احدهم بسوء أو نعتك بصفة سيئة وكيف واجهت الامر حينها بالتوتر والحنق والغضب والرغبة في الانتقام، لكن الان ستضحك من حماقاتك السابقة تلك.

خد العبرة والفائدة من كل حدث كدرس وتجربة صادفتها في حياتك ودع الحدث يمر دون تعلّق أو انشغال أو تأثر، فجميع الاحداث وجميع ذكرياتك وما اختَزَنْته داخل عقلك من مشاهد وخيالات طوال حياتك، جميعها ماضي انتهى أمره. دع الماضي يمر، وعش اللحظة الان بوعي كامل ومرح ، عش كل لحظة في حياتك بنَهَم، غير ذلك أنت ببساطة تنجرف من الولادة للموت وتضيع حياتك هدراً مثل ماء في كفّيْك بصحراء قاحلة ينساب من بين أصابعك  دون وعي.

خد الحياة ببساطة وعشها كما هي بمرح وبوعي كامل وبتقبّل ومحبة، وأطلق العنان للاستكشاف والابداع فيها دون تعلق بشيء، عشها كما أنت في الحقيقة على طبيعتك دون أقنعة زائفة ورغبات فوق الحاجة، فقد عاش ملايين الناس قبلنا على هذه الأرض التي نعيش عليها نحن الان ثم رحلوا، ولا نعرف حتى أسماءهم، وسوف تأتي ملايين أخرى وترحل.

اقبل بهذه الحقيقة البسيطة: كل شيء في هذه الحياة زائل لا محالة، وأنت كذلك هنا على الأرض لأيام معدودة فقط وسوف ترحل بعدها بالتأكيد دون عودة الى الأبد. فالموت آت أبيت هذا أم شئت، لذا لا تضيع أيامك المعدودة هذه في تبديد حياتك الثمينة هذه هدراً، بل استرخي وأحتفل بالحياة واستمتع بالوجود حتى النهاية.